يكاد الإلقاء أن يكون منهجا قائما أو علما يدرّس .فهو المدخل والأسلوب والكيفية والحيثية .وهو الشخصية وعنصر الجذب . فمن أقل المحادثات شأنا إلى أعظمها خطبا، نجد أن الإلقاء طريقة وعرضا للكلام يصنع فرقا ويشكل اختلافا . فهو أعمق من أن يكون نبرة يتخذها الملقي أو مستوى صوت يتبناه الخطيب . بل إنه معلومة يجب أن تتخذ سبيلها بفن وجمال لترسخ في ذهن المتلقي من دون أن يستثقلها أو يمَلَّها .
تلعب الشخصية و عقلية المقدم أو الملقي دورا بالتأكيد .فالعملية منظومة تكاملية ،لكن النقطة الجوهرية هي سلب الألباب وعز الخطاب.
هنا يلعب عامل الإلقاء وجماله ولذة الطرح من عدمه دورا بارزا .فلربما ألقى من له علم غزير فلم يجد قبولا رغم تمكنه من مادته لانعدام خروجها الأنيق . ولربما ألقى تلك المعلومة من ليس له باعٌ في علمها ولكنه أحسن هندامها ومستقرّها .
وإذا أراد المرء أن يبلغ منه مبلغا و يتمكن من زمامه فعليه بما هو أوله ومدخله ، وماذاك إلا الاستماع . فقد ورد في القرآن الكريم لفظ (ألقى السمع ) وقبلها (له قلب ) فالوعي القلبي لما هو مُقْدمٌ عليه ،والانصياع السمعي لما هو آت يبنيان الأسس الأولى ويُنشِئان العلامات المبدئية فيختمران مع شخصية المرء وتذوب هذه العناصر في بعضها حتى يُولد لنا نسيجٌ فريد رائقٌ رائعٌ ماتع .
ومهارات الإلقاء ليست حكرا على أحد .مجالها واسع ،متعدد،مرن . له قمم تتسع للجميع . جميع من لديه الرغبة و امتلك الموهبة وطور المهارة فلم تبق له إلا الفرصة والتي هي في عالم التدريب مفَتّحةً أبوابُها ،تنتظر من له عزم أكيد ،وجَلَدٌ شديد .
والمِرَانُ والممارسة هما الوقود لهذه المهارة إن صح التعبير .
فمن ملك مهارة الإلقاء وقام بصقلها وشحذها فهو يستعد للانطلاق ؛ وأي انطلاقة فهي تحتاج إلى ذلك الزخم بالرغبة وتلك الرغبة تحتاج إلى ميدان يبدأ بتجربة ،ويستمر بتمرين، و يرقى بممارسة .
ونقطة الوصول في هذا الميدان ليست إلا عقلا وقف أمامك ليأخذ عنك فضع نفسك مكانه ؛ كيف ستصله المعلومة ومتى وإلى أي مدى سيكون لها في القلوب صدى .
بقلم .سعاد الزحيفي