الفارق المهم
” من الأمور الطريفة في الحياة ، أنك إذا لم ترضى سوى بالأفضل فسوف تحصل عليه ”
دبليو سمرست هوم
كان الرجل يسير بدراجته البخارية علي أحد الطرق السريعة بسرعة خمس وستين ميلا في الساعة عندما حدث له هذا الأمر فجأة ، فقد جذب انتباهه شئ علي جانب الطريق ، وعندما عاد بنظرة تجاه الطريق ، لم يكن أمامه سوى ثانية ليستجيب فيها للموقف ، فقد توقفت الشاحنة من طراز ” ماك ” التي كانت تسير أمامه فجأة ، وفي محاولة لإنقاذ حياته انزلق بدراجته البخارية ، غير أنها انزلقت ببطء قاتل تحت الشاحنة ، وقد انفلت غطاء البنزين ، ووقع ما لم يكن في الحسبان ، حيث تسرب البنزين وأشتعل ، لم يدر ما حدث من شر له إلا عندما فتح عينية ليجد نفسه راقدا في المستشفي ، ويعاني من ألم حاد ، ولا يقدر علي الحركة مع صعوبة في التنفس ، وقد غطت ثلاث أرباع جسده حروق من الدرجة الثالثة ، ومع ذلك ، رفض أن يستسلم فكافح من أجل أن يعود إلي حياته الطبيعية ويستأنف مستقبلة العملي ، غير أنة ما كاد يفعل ذلك حتى عانى من صدمة أخرى ، حيث تعرض لحادث تحطم طائرة أدى إلي إعاقة الجزء الأسفل من جسمه إلي الأبد .
[ في حياتنا جميعا أوقات يتحتم علينا أن نتغير فيها ] ، وهو وقت تختبر فيه جميع قدراتنا وتبدوا لنا الحياة عندئذ غير عادله ، وهو وقت يصل فيه استخدام إيماننا وقيمنا وصبرنا وعواطفنا وقدراتنا علي المثابرة إلي أقصى درجة له ، وقد يستفيد البعض منا من هذه المحن كي يصبح إنسانا أفضل ، في حين يسمح آخرون لهذه المحن بأن تدمرهم ، هل سبق وتساءلت عن السر وراء الفرق في رد فعل بني الإنسان علي تحديات الحياة ؟ لقد فعلت أنا ذلك ، فقد كنت أتعجب طوال حياتي ـ تقريبا ـ مما يدفع الناس إلي التصرف علي هذا النحو الذي يتصرفون به ، فقد اهتممت لوقت طويل باكتشاف السر وراء تميز بعض الناس عن الآخرين . ما الذي يؤدي إلي خلق الزعيم ومن يحقق الإنجازات ؟ كيف يوجد الكثيرون ممن يعيشون حياة ملؤها السعادة علي الرغم من كل المحن ، في حين يعيش الآخرون ـ علي ما يبدو ـ حياة ملؤها التعاسة والغضب والاكتئاب ؟
والآن ، دعوني أشارككم قصة لرجل آخر ، ولنلاحظ الفرق بين القصتين ، حياة هذا الرجل تبدوا أكثر إشراقا ، فهو فاحش الثراء وهو موهوب جدا في عملة في مجال الترفيه وله جمهور عريض ، فقد أصبح وهو في سن الثانية والعشرين أصغر عضو في فرقة شيكاغو الكوميدية الشهيرة المعروفة باسم ” سكينستي ” ، وقد أصبح علي الفور نجم الفرقة اللامع ، وفي غضون وقت قصير ، اصبح نجما مسرحيا لامعا في نيويورك ، ثم أصبح أنجح الشخصيات التليفزيونية في السبعينات ، وبعد ذلك أصبح من أكبر نجوم السينما في البلاد ، ثم أنتقل إلي الموسيقى وحاز علي النجاح الفوري بها ، ولهذا الرجل الكثير من الأصدقاء المعجبين ويتمتع بزواج جيد، ويمتلك بيتا جميلا في مدينة نيويورك وفي مارتا فينيارو، ومن الواضح أنه تمتع بكل شئ يحلم به أي إنسان.
فأي الرجلين تفضل أن تكون ؟ من الصعوبة بمكان أن من يختار الرجل الأول وليس الثاني .
ولكن ، اسمحوا لي أن أطلعكم علي شئ بخصوص الرجلين ،
فالأول ، هو من أكثر الناس الذين عرفتهم حيوية وقوة ونجاحا ، وأسمه دبليو ميتش ، وهو حي يرزق وفي خير حال ، وهو يعيش الآن في مدينة كلورادو ، وقد تمتع ـ منذ حادث الدراجة البخارية المشئوم ـ بدرجة أكبر من النجاح والسعادة أكثر من أي إنسان عرفته في حياتي ، وقد أقام علاقات شخصية رائعة مع أكثر الشخصيات نفوذا في الولايات المتحدة الأمريكية ، وأصبح رجل أعمال مليونيرا .
وقد وصل به الأمر إلي حد ترشيح نفسه للكونجرس علي الرغم من تشوه وجهه بصورة شديدة ، وكان شعار حملته الانتخابية : ” أرسلوني إلي الكونجرس ولن أكون مجرد وجه جميل آخر هناك ” .
وفي الوقت الحالي ، تربطه علاقة زوجية رائعة مع امرأة كريمة جدا ، إضافة إلي ترشيحه نفسه نائب حاكم كلورادو في عام 1986 .
أما الشخص الثاني فهو شخص تعرفونه جيدا ، ومن المحتمل أن يكون قد أسعدكم كثيرا ، وهذا الشخص هو جون بيليوش .
وقد كان واحد من أشهر الممثلين الكوميديين في عصرنا ، وقصته تعتبر من أعظم قصص النجاح في دنيا الترفيه في السبعينيات ، ولم تكن هناك دهشة كبيرة عندما توفي في سن الثالثة والثلاثين بسبب تسم حاد ناتج عن الكوكايين والهيروين ، كما قال الطبيب الشرعي . لقد أصبح الرجل الذي كان يملك كل شئ مدمنا شرها أصابه الهرم قبل الأوان .
وقد كان ـ في ظاهرة ـ يتمتع بكل شئ ، أما في داخلة ، فقد كان خاويا منذ سنوات .
إننا دائما نرى مثل هذه الأمثلة ، هل سمعت ببيت سترودريك . لقد ولد بدون يدين أو رجلين ، ثم أصبح عداء للمارثون ، وقد قام بالفعل بالعدو مسافة خمسة وعشرين ألف ميل ، ثم تأمل قصة هيلين كيلر الرائعة ، أو اندي لاتنر ، مؤسسة جمعية الأمهات ضد القيادة أثناء السكر ، لقد حلت بها فاجعة عظيمة ، فقد توفيت ابنتها بعد أن صدمها سائق مخمور ، ولذا ، أسست جمعية كانت السبب وراء إنقاذ أرواح المئات وربما الآلاف . وعلي نقيض ذلك، انظر إلي مارلين مونرو، وارنست هيمونجواي ممن حققوا نجاحات باهرة ، ولكن انتهي بهم الأمر إلي تدمير أنفسهم .
ولذا ، فأني أسألك ما هو الفرق بين من يملكون ومن لا يملكون ؟ ما هو الفرق بين ما يستطيعون وبين ما لا يستطيعون ؟ ما هو الفرق بين ما يفعلون وبين ما لا يفعلون ؟ لماذا يتغلب البعض علي المحن الهائلة التي لا يمكن تصورها ويحولون حياتهم إلي انتصارات، في حين أن البعض الآخر ـ علي الرغم مما يمتلكونه من مزايا ـ يحولون حياتهم إلي كارثة ؟ لماذا يتقبل البعض أي شئ يحدث لهم ويحولونه إلي صالحهم، في حين يحوله البعض الآخر إلي عكس ذلك ؟ ما هو الفرق بين دبليو ميتشل وجون بيلشوى ؟
ما هو الفرق الذي يؤدي إلي اختلاف كيفية ونوعية الحياة ؟
لقد أصابني الهوس هذا السؤال بالهوس طيلة حياتي ، وعندما كبرت وجدت أناسا يتمتعون بكل أنواع الثراء ، وظائف عظيمة ، وأجسام سليمة ، وكان علي أن أعرف السر وراء اختلاف حياتهم عن حياتي وحياة أصدقائي ، إن الفرق يعزي إلي الأسلوب الذي تواصلنا به مع الآخرين والأفعال التي نقوم بها ما الذي نفعله عندما نجرب كل شئ ممكن ، ثم لا تسير الأمور كما نريد ؟ إن من ينجحون لا تواجههم مشكلات أقل ممن يفشلون ، فليس ما يحدث لك هو ما يؤدي إلي النجاح أو الفشل ، بل إن نظرتك تجاه ما يحدث ورد فعلك تجاهه هما اللذان يوجدان هذا الفرق .
عندما عرف دبليو ميتشل أن ثلاثة أرباع جسده مغطى بحروق من الدرجة الثالثة ، لم يكن أمامه حيال خيار في تفسيره ، إن معنى هذا الحادث قد يكون سببا للموت أو الحزن أو أي شئ آخر ممكن ، غير أنه اختار أن يتواصل مع نفسه قائلا : إن هذه التجربة حدثت لغرض ما . وسوف يمنحه ـ ذلك في يوما ما ـ ميزة كبرى في سعيه صوب إحداث تغير في العالم ، ونتيجة لهذا التواصل ، وضع مجموعة من المعتقدات والقيم التي ظلت توجه حياته استنادا إلي شعوره بأن الحادث سيكون شيئا مفيدا وليس مأساة .
كيف تمكن بيت سترودويك من العدو في مارثون في العالم ، علي
懓 تغير ، بل نحن الذين نتغير ”
هنري ديفيد تبورو
وقد أثار فضولي كيفية تحقيق الناس ـ علي وجه التحديد ـ النتائج ، منذ أمد بعيد ، [ أدركت أن النجاح وراءه مفاتيح له ، وأن من يحققون نتائج باهرة يقومون بأشياء معينة لتحقيق هذه النتائج ] .
وأدركت أنه لا يكفي مجرد معرفة أن بيت سترودويك أو دبليو . ميتشل قد توصلا مع نفسيهما بطريقة تحقق النتائج ، وكان علي أن أعرف ـ بالضبط ـ كيف قاما بذلك ، واعتقد أنني لو كررت نفس ما فاعله الآخرون تماما، فسوف أعيد تحقيق نفس النتائج الجيدة التي حققوها ، كما أعتقد أنه لو زرعت فسوف أحصد .
وبمعني آخر، إذا كان هناك شخص أمكنه أن يكون متعاطفا حتى في أحلك الظروف، فإن بإمكاني أن أكتشف استراتيجيته في ذلك. علي سبيل المثال: كيف نظر إلي الأمور، وكيف أستخدم جسمه في هذه المواقف؟ عندها ، أستطيع أن أصبح أكثر تعاطفا .
وإذا كان هناك زواج ناجح بين رجل وامرأة وكانا لا يزالان بعد خمسة وعشرين عاما يكنان الحب لعضهما البعض ، فإن بإمكاني أن أكتشف ما كانا يقومان ويؤمنان به مما أدى إلي هذه النتائج ، ثم بإمكاني أن أتبني هذه الأفعال والمعتقدات في علاقاتي ،
وفي حياتي ، حققت نتيجة كوني بدينا للغاية ، حيث بدأت أدراك أن كل ما أحتاج إليه هو محاكاة من يتمتعون بالرشاقة ، أي أن أكتشف ماذا يأكلون وكيف يأكلون ، وفيما يفكرون ، وبما يؤمنون ، وعندها ، أستطيع أن أحقق نفس النتائج .
ولقد فعلت الأمر ذاته في الناحية المادية وفي علاقاتي الشخصية. ومن ثم بدأت في محاكاة نمازج التفوق الشخصي، ومن ثم بدأت في محاكاة نمازج التفوق الشخصي ، وقد درست ـ أثناء بحثي الشخصي عن التفوق ـ كل طريق يمكن أن أجده .
كان ذلك البحث مني حتى وجدت ما يعرف ببرمجة اللغويات العصبية ، أو ” إن . إل . بي ” اختصارا .
ولو قمت بتحليل الاسم ، فستجد أنه يتكون من كلمة ” العصبية ” إشارة إلي المخ ، و ” اللغويات ” إشارة إلي اللغة ، أما البرمجة ، فهي تركيب خطة أو إجراء معين ،
والبرمجة باللغويات العصبية ، هي دراسة تأثير اللغة ، سواء كانت شفهية أو غير شفهية ، علي الجهاز العصبي ،
وتتوقف قدرتنا علي فعل أي شئ علي قدرتنا في توجيهه جهازنا العصبي . ومن يحققون نتائج باهرة ، يفعلون ذلك من خلال إيجاد تواصل معين إلي الجهاز العصبي .
وتدرس البرمجة باللغويات العصبية كيفية تواصل الناس مع أنفسهم بصورة تؤدي إلي تحقيق الحالات والأوضاع النفسية المثلى لتوليد أكبر عدد من الخيارات السلوكية .
وعلي الرغم من تسمية البرمجة باللغويات العصبية فهو اسم دقيق لموضوع هذا العلم ، إلا أنه قد يكون مسؤولا كذلك عن عدم سماعك به من قبل ، ففي الماضي ، اختصر تدريسه علي الأخصائيين ، وعلي بعض رجال الأعمال المحظوظين . وعندما صادفته للمرة الأولي ، أدركت أنه شئ يختلف عن أي شئ قابلته من قبل ،
ولقد شاهدت أحد أطباء البرمجة باللغويات العصبية ، وهو يعالج امرأة كانت خاضعة للعلاج من الاستجابات الرهابية لمل يزيد علي ثلاث سنوات ، وقد ذهبت هذه المخاوف في خمس وأربعين دقيقة فقط . ولقد سحرني ذلك ، وكان علي أن أعرف كل شئ عنة [ بالمناسبة ، يمكن تحقيق نفس النتائج في خمس أو عشر دقائق ]
تمنح البرمجة باللغويات العصبية إطارا منظما لكيفية توجيه عقلك ،
هو يعلمك ليس فقط كيف توجه حالاتك النفسية وسلوكك ، بل والحالات التعيسة وسلوك الآخرين ، وباختصار ،
هو علم إدارة العقل بصورة مثلى لتحقيق النتائج التي ترجوها .
إن البرمجة باللغويات العصيبة تمنحني ـ بالضبط ـ ما كنت أبحث عنة . فهو يقدم مفتاح فك رموز حول لغز قدرة البعض علي أن يحققوا باستمرار ما أسميه بالنتائج المثلى
فإن كان بمقدور شخص ما أن يستيقظ في الصباح بسرعة وسهوله وكامل طاقته ، فهذه نتيجة قام بتحقيقها ،
والسؤال التالي هو كيف قام بتحقيقها ؟
وبما أن الأفعال هي أصل جميع النتائج ، فما هي الأفعال الذهنية المعينة التي أنتجت العملية العصبية الجسمية للاستيقاظ من النوم بسهوله وسرعة ؟
من مسلمات هذا العلم ، أننا جميعا نمتلك نفس التركيبة العصبية ، ومن ثم ،
[ فإذا كان بمقدور أي إنسان في العالم أن يفعل شئ ما ، فإن بمقدورك أنت أيضا أن تفعله إن أدرت جهازك العصبي بنفس الطريقة تماما ]
[ وتسمى عملية اكتشاف ما يقوم به الناس علي وجه الدقة والتحديد لتحقيق نتيجة معينة بالمحاكاة ] .
ومرة أخرى ، فإن بيت القصيد يتمثل في أنه إن كان أمر معين ممكنا لآخرين في هذا العالم ، فهو أمر ممكن بالنسبة لك أيضا ، فالمسألة لا تكمن قدرتك علي تحقيق النتائج التي حققها شخص آخر ، بل هي مسألة استراتيجية ،
أي كيف تمكن هذا الشخص من تحقيق النتائج ؟ فإذا كان لشخص ما قدرة علي عملية الهجاء ، فإن هناك طريقة لتقليده حتى تصبح كذلك أيضا ، وذلك في غضون أربع أو خمس دقائق . [ سوف تتعلم هذه الاستراتيجية في الفصل السابع ] وإن كنت تعرف شخصا يتواصل بصورة ممتازة مع أطفاله، فإن بإمكانك أن تفعل الأمر ذاته.
وإن كان بمقدور شخص ما أن يستيقظ في الصباح بسهولة ، فإن ذلك بإمكانك أيضا ، عليك ـ ببساطة ـ أن تقلد إدارة الآخرين لجهازهم العصبي ، ومن الواضح ، أن بعض المهام أكثر تعقيدا من غيرهم ، وتستغرق وقتا أطول لمحاكاتها وتكرارها .
ومع ذلك ، فإن كان لديك الرغبة والإيمان الكافيان فسيمكنك محاكاة شئ يستطيع أي إنسان أن يقوم به .
وفي الكثير من الأحيان ، قد يكون الشخص قد قضى سنوات من التجربة والخطأ من أجل أن يجد الطريقة المعينة التي يستخدم بها عقله وجسمه لتحقيق نتيجة ما. ولكن ، بإمكانك أن تتخطى هذه المرحلة ، عليك بمحاكاة الأفعال التي تتطلب للوصول بها إلي حد الكمال، وعليك بتحقيق نتائج مشابهه في غضون دقائق أو شهور أو علي الأقل في وقت أقل بكثير مما استغرقه الشخص الذي تود أن تقلد نتائجه .
جون جرندر وريتشارد باندلر هما المسؤولان الرئيسيان عن البرمجة باللغويات العصبية .
وجرندر هو من أشهر علماء اللغويات في العالم ،
أما باندلر فهو رياضي وعالم جشتالت وخبير في الكمبيوتر .
وقد قرر الرجلان استخدام موهبتهما في مهمة فريدة وهي خلق وتعديل أنماط سلوكية بشرية أخرى بمحاكاة أفضل الناس في مجالاتهم. وقد بحثوا عن أناس كانوا أكثر فاعلية في تحقيق أشياء يسعى معظم الناس إليها ألا وهي التغيير. وقد قاموا بدراسة رجال الأعمال والأطباء وغيرهم من الناجحين من أجل استخلاص الدروس والأنماط التي اكتشفوها علي مدار سنوات من التجربة والخطأ .
ويشتهر باندلر وجرندر بعدة أعمال فعالة عن التدخل في نماذج وأنماط السلوك والتي قاما بتدوينها في محاكاة الدكتور ميلتون اريكسون وهو من أعظم علماء المعالجة بالتنويم المغناطيسي في التاريخ ، وفرجينيا ساتير وهي عالمة كبيرة في طب العلاج الأسري، وجرجوري باتسون وهو عالم أصول الإنسان (انثر بيولوجي)
وقد اكتشف الاثنان، على سبيل المثال، كيف استطاعت ساتير دائما إيجاد حلول في العلاقات الأسرية في حين فشل الأطباء الآخرون في ذلك، فقد اكتشفا أنماط الأفعال التي قامت بها لتحقيق النتائج، وقد قاما بتدريب طلابهما عليها والذين قاما بدورهم بتطبيقها وتمكنوا من إحراز نفس النتائج الجيدة على الرغم من عدم توافر سنوات خبرة العالمة الشهيرة لديهم.
لقد زرعوا نفس البذور ولذلك جنوا نفس الثمار، وباستخدام الأنماط الأساسية التي قاموا بمحاكاتها مستفيدين من خبرات هؤلاء العلماء الثلاثة. بدأ باندار وجرندر في وضع وتدريس أنماطهم الخاصة بهم. وتعرف هذه الأنماط بالبرمجة باللغويات.
لقد قام هذان العبقريان بأكثر من مجرد تزويدنا بسلسلة من الأنماط الفعالة القوية لتحقيق التغير، والأهم من ذلك أنهما زودونا بنظرة منتظمة تقليد أي شكل من أشكال التفوق الإنساني في فترة وجيزة.
لقد كان نجاحهم أسطورة، ومع ذلك، وحتى مع توفر الأدوات، فإن الكثيرين تعلموا فقط أنماط تحقيق التغيير العاطفي والسلوكي ولم تكن لهم القدرة الشخصية على استخدامها بصورة فعالة ومتناغمة،
ومرة أخرى، فإن امتلاك المعرفة وحده لا يكفي، فالأعمال هي التي تحقق النتائج.
ومع إطلاعي على المزيد من كتب البرمجة باللغويات العصبية، أصابتني الدهشة لعدم وجود سوى القليل، أو عدم وجود أي شئ عن عملية المحاكاة وبالنسبة لي ، فإن هي الطريق إلي التفوق [ فهي تعني أنة إن رأيت أي إنسان في هذا العالم يحقق نتائج أرجو تحقيقها ، فسيكون بإمكاني أن أحقق نفس النتائج إن كنت مستعدا لدفع ثمن هذا من الوقت والجهد ] ،
[ وإذا كنت ترغب في تحقيق النجاح ، فإنك تحتاج فقط إلي أن تجد طريقة تحاكى بها من حققوا النجاح بالفعل .
بمعنى أن تكتشف ما هي الأفعال التي قاموا بها، علي وجه التحديد، كيف استخدموا جسمهم وعقلهم لتحقيق النتائج التي ترغب في تقليدها ]، فإن كنت تريد أن تصبح صديقا أفضل، أو أكثر غنى، أو أبا أو رياضيا أفضل ، فكل ما عليك هو أن تعثر علي نماذج للتفوق .
وفي الغالب ، يكون من يحركون العالم ويهزونه من المقلدين المحترفين ، أي أولئك الذين أتقنوا فن تعلم كل ما يستطيعون تعلمه من خلال اتباع تجربة الآخرين بدلا نمن اتباع تجربتهم الشخصية ، وهم يعرفون كيف يوفرون السلعة التي لا يحصل أي منا مطلقا علي كفايته منها ألا وهي الوقت .
وفي واقع الأمر ، لو تأملت في قائمة مجلة النييويورك تايمز لأكثر الكتب مبيعا لوجدت أن معظم الكتب التي علي قمة هذه القائمة تحتوي علي نماذج عن كيفية فعل شئ بصورة أكثر فاعلية ،
ومنها كتاب ” الابتكار والريادة ” لبيتر دركرز ، وفيه يوضح السيد دركرز الأفعال المعينة التي يجب أن يقوم بها المرء من أجل أن يكون مبتكرا ورياديا فعالا . ويوضح بصورة جلية أن الابتكار عملية خاصة جدا ومتعمدة .
كما أنه لا يوجد ما هو سحري ، نمطي بشأن كون الإنسان رائعا في مجال ما ، كما أن ذلك ليس جزءا من التركيبة الجنينية للإنسان ، بل هو علم يمكن تعلمه ، فهو يبدو ذلك مألوفا ؟ ينظر إلي دركرز علي أنه مؤسس الممارسات التجارية الحديثة ، وذلك بسبب مهارات المحاكاة التي قام بوضعها .
وكتاب ” مدير الدقيقة الواحدة ” لكينيث بلانشارد وسبنسر جونسبون هو نموذج للتواصل الإنساني والإدارة البسيطة والفعالة الإنسانية، وقد وضع هذا الكتاب عن طريق محاكاة بعض أكثر المديرين فاعلية في البلاد ،
وكتاب ” البحث عن التفوق ” [ توماس جي ، بيترس وربورت اتس ، ووترمان الابن ] يقدم نموذجا للشركات الناجحة في أمريكا ، أما كتاب ” جسر الأبدية ” لمؤلفة ريتشارد باس فيقدم وجهة نظر جديدة ، نموذجا جديدا لكيفية النظر إلي العلاقات ،
وتمضي القائمة إلي ما لا نهاية [ ويمتلئ هذا الكتاب كذلك بسلسلة كبيرة من النماذج الخاصة بكيفية إدارة عقلك وجسمك واتصالاتك بالآخرين بصورة تحقق نتائج باهرة لكل من يعنيه الأمر ، غير أن الهدف الذي وضعته لك هو ألا تتعلم فقط هذه النماذج والأنماط ، بل أن تتخطاها بخلق النماذج الخاصة بك .
إن بإمكانك أن تعلم كلبا أنماطا تحسن سلوكه، وفي مقدورك أن تفعل المثل مع الناس.
غير أن ما أرغب في [ أن تتعلمه هو عملية، وإطار وعلم يسمح لك بتقليد التفوق حيثما تجده ،
وأريدك أن تتعلم بعض أكثر أنماط البرمجة باللغويات العصبية فاعلية .
إلا أنني أريدك أن تصبح أكثر من مجرد متبع لعلم البرمجة باللغويات العصبية ، لأنني أريدك أن تصبح نموذجا ، وأن تفهم التفوق فهما تاما ، ثم تجعله تفوقا لك أنت ، وأن تسعى دائما وراء تقنيات الأداء الأمثل ، لا أن تلتزم بسلسلة واحدة من النظم أو الأنماط ، بل أن تبحث دائما عن طرق جديدة وفعالة لتحقيق النتائج التي ترجوها ] .
ومن أجل أن تقلد التفوق ، ينبغي عليك أن تصبح مخبرا وشرطيا، وأن تطرح الكثير من الأسئلة ، وتتعقب جميع المؤدية إلي تحقيق النجاح .
لقد عملت في جيش الولايات المتحدة، ورأيت أفضل رام كيف يحسن من رمايته وذلك بالعثور علي الأنماط المعينة للتفوق في الرماية، وتعلمت مهارات إتقان في الكاراتيه بملاحظة ما يقوم به ويفعله متقنوه، ولقد حسنت كذلك من أداء الرياضيين الأولمبيين والمحترفين، لقد حققت ذلك من خلال العثور علي طريقة أقلد بها تماما ما يفعله هؤلاء الرياضيون عندما كانوا يحققون أفضل نتائجهم ثم أظهرت لهم: يف يمكنهم استدعاء هذا الأداء عند الطلب.
إن البناء علي نجاح الآخرين هو من الجوانب الرئيسية للجزء الأكبر من التعلم في عالم التقنية، فإن أي تقدم في الهندسة أو تصميم في الكمبيوتر يأتي بطبيعة الحال من الاكتشافات والنجاحات السابقة وفي دنيا الأعمال، فإن الشركات التي لا تتعلم من الماضي ولا تعمل طبقا لأحدث المعلومات، سوف يكتب لها الفشل.
أما دنيا السلوك الإنساني فهي تعد من المجالات القليلة التي لا تزال تعمل طبقا للنظريات والمعلومات العتيقة، والكثيرون منا ما يزالون يتبعون فكر القرن التاسع عشر في كيفية عمل المخ وتوليد السلوك، فعندما نستدعي كلمة الاكتئاب نصاب به بالفعل. وفي واقع الأمر، فإن مثل هذه الكلمات يمكن أن تكون نبوءات نحققها نحن بأنفسنا، ويعلمك الكتاب الذي بين يديك تقنية متوفرة بالفعل ، وهي تقنية يمكن أن تستخدمها في تحقيق كيفية الحياة التي ترغبها .
يمثل الباب الأول نظام الإيمان عند الفرد،
[ فما يقوم به الإنسان وما يعتقد إمكانية أو عدم إمكانية تحقيقه يحدد بدرجه كبيرة ما يمكن وما لا يمكن له أن يقوم به ] ،
وكما تقول العبارة القديمة : ” إن فعلك للشيء من عدمه يتوقف علي إيمانك بقدرتك علي فعلك من عدمه ” وهي عبارة صحيحة إلي حد ما ، [ وذلك لأنك عندما لا تؤمن بقدرتك علي فعل أمر ما ، فإنك ترسل رسائل متواصلة ألي رسائل جهازك العصبي تحد أو تقضي علي قدرتك علي فعل هذا الشيء بعينه أما إن كنت ترسل إلي جهازك العصبي برسائل تفيد قدرتك علي فعل أمر ما عندها سيرسل الجهاز العصبي إلي مخك إشارات ليحقق النتيجة المرجوة ويفتح الباب أمام إمكانية تحقيق هذا الشيء ] ، ومن ثم فإن استطعت أن تقلد نظام الإيمان عند فرد ما فستكون تلك هي الخطوة الأولي نحو التصرف بشكل مماثل له . وبالتالي ، نحو تحقيق نوع مشابه من النتائج ، وسوف نلقي المزيد من الضوء علي نظم الإيمان في الفصل الرابع .
والباب الثاني الذي يجب عليك فتحه هو التركيب الذهني للفرد ،
[ فهو الطريقة التي ينظم الناس بها أفكارهم ] ، وهو عبارة عن رمز أو ” كود ” .
ففي رقم الهاتف سبعة أعداد ، وعليك أن تطلبها بالترتيب الصحيح للوصول إلي من تريد التحدث إلية ،
وينطبق الأمر ذاته علي جزء المخ والجهاز العصبي الذي يمكن أن يكون أكثر فاعلية في مساعدتك علي الوصول إلي النتيجة المرجوة ، والأمر نفسه ينطبق علي التواصل [ وفي كثير من الأحيان ، لا يتواصل الناس مع بعضهم البعض بصورة جيدة ، وذلك لاختلاف ما يستخدمونه من رموز ولاختلاف تركيباتهم الذهنية ، فعليك أن تحلل هذه الرموز كي تصل إلي تقليد أفضل صفات الآخرين ] وسوف نتناول التركيب الذهني في الفصل السابع .
والباب الثالث يتعلق بالجانب الفسيولوجي [ وظائف الأعضاء ] ، فالعقل والجسد علي صلة وثيقة .
فالطريقة التي تستخدم بها وظائف الأعضاء ـ الطريقة التي تتنفس بها وتقف وتجلس وتعبيرات وجهك وطبيعة تحركاتك ـ كلها تحدد الحالة النفسية التي تكون عليها
[ وتحدد الحالة النفسية التي تكون عليها بدورها مدى وجودة السلوك الذي تستطيع القيام به ] .
وسوف نناقش الجانب الفسيولوجي [ علم وظائف الأعضاء ] بتعمق أكبر في الفصل السابع .
وفي واقع الأمر ، فإننا نقوم بعملية التقليد طوال الوقت فكيف يتعلم الطفل الكلام ؟
وكيف يتعلم الرياضي الصغير من رياضي أكبر ؟
وكيف يتعلم رجل الأعمال الطموح من هيكلة شركته فيما يلي نموذج محاكاة بسيط من دنيا الأعمال .
من الطرق التي يربح بها الناس الكثير من المال في هذا العام ما أسميه بتقرير الأولوية .
فنحن نعيش في ثقافة متناغمة بدرجة كافية لتجعل ما ينجح في مكان ينجح في الغالب في غيره من الأماكن ،
فلو أسس أحد الأشخاص شركة ناجحة تبيع الكعك بالشيكولاتة في أحد المتاجر الكبرى ؟ ، فهناك احتمالات لنجاح نفس الأمر في دالاس ،
ولو قام أحد الأشخاص في شيكاغو بإدارة شركة يقوم موظفوها ممن يرتدون الملابس الفاخرة بتسليم الرسائل ، فهناك احتمالات لناجح نفس الأمر في لوس انجلوس أو نيويورك .
وكل ما يفعله الكثيرون كي ينجحوا في دنيا الأعمال هو أن يجدوا ما يروج في إحدى المدن ثم يقلدونه في مكان آخر قبل أن يحل الوقت الفاصل.
وكل ما عليك أن تفعله هو أن تأخذ نظاما مثبتا بالتجربة ثم تقوم بتقليده ، والأفضل من ذلك أن تحسنه ، ويضمن من يفعلون ذلك النجاح المحقق لأنفسهم .
واليابانيون هم أعظم المحاكين في العالم . ما السر وراء المعجزة المذهلة للاقتصاد الياباني ؟ هل هو الابتكار المذهل ؟ ربما في بعض الأحيان ، إلا إنك لو فحصت التاريخ الصناعي للعقدين الماضيين فلن تجد سوى القليل جدا من المنتجات الرئيسية الجديدة أو التقدم التقني قد بدأ في اليابان ، فاليابانيون يأخذون ـ فقط ـ الفكرة والمنتج من هنا ، بدءا من السيارات وحتى أشباه الموصلات ومن خلال المحاكاة الرائعة ، احتفظوا بأفضل المكونات ثم حسنوا ما عدا ذلك .
” عدنان محمد خاشقجي ” هو في نظر العديد من الناس أغني رجل في العالم ، فكيف وصل إلي هذه المكانة ؟ الأمر بسيط ، لقد قلد ” ركفلر ” ، و ” مورجانز ” وغيرهما من كبار رجال دنيا المال . فقد قرأ كل شئ عنهم قدر ما استطاع ، ودرس ما كانوا يؤمنون به ، وقلد استراتيجياتهم ، ولماذا تمكن ” دبليو ميتشل ” ليس فقط من البقاء بل والازدهار بعد تجربة مروعة كالتي تعرض لها ، [ إن الفرق بين الناجحين ةالفاشلين لا يكمن فيما يمتلكون بل في طريقة اختيارهم لما يرونه واستغلالهم لإمكاناتهم ومصادرهم وتجاربهم في الحياة.
وقد بدأت من خلال نفس عملية المحاكاة تلك في الحصول علي نتائج فورية من نفسي ومن الآخرين. وقد واصلت السعي وراء أنماط أخرى للتفكير وبالفعل، حققت نتائج مذهلة في فترة قصيرة من الزمن، وأطلق علي هذه الأنماط مجتمعة عبارة ” تقنيات الأداء الأمثل ” ، وبمثل هذه الاستراتيجيات تكون هذا الكتاب ، ولكنني أريد أن أوضح أمرا ،
[ إن هدفي ، والنتيجة التي أصفها لكم، لا تكمن فقط في أن تتقنوا الاستراتيجيات التي أصفها هنا ، فعليكم أن تحددوا وتطورا استراتيجياتكم و أنماطكم الخاصة بكم .
لقد علمني ” جون جرندر” ألا أؤمن بشيء بصورة شديدة، لأنه ـ إن فعلت ـ فسيكون هناك دائما مكان لا ينجح في هذا الاعتقاد ، والبرمجة باللغويات العصبية هي أداة قوية لا أكثر، أداة يمكن استخدامها في وضع توجهاتك واستراتيجياتك ومعلوماتك الخاصة بك ، وليس هناك من استراتيجية يكتب لها النجاح دائما .
والمحاكاة هي بلا شك أمر جديد. لقد قلد كل مبتكر عظيم اكتشافات الآخرين من أجل أن يخترع شيئا جديدا، كما أن كل طفل قلد العالم الخارجي حوله .
غير أن المشكلة تكمن في أن معظمنا يقلد مستوى يتسم تماما بالمصادفة وعدم التركيز .
فنحن ننتقي شيئا من هذا الشخص أو ذاك ، وتفتقد شيئا أكثر أهمية من الشخص ذاته .
ونحن نقلد شيئا جيدا من هنا ، وآخر شيئا من هناك .
ثم نحاول تقليد شخص نحترمه غير أننا لا نعرف كيف نفعل ما يقوم به .
” إن اجتماع الأعداد والفرصة يولدان ما نسميه بالحظ ” انتوني روبينز
انظر إلي هذا الكتاب علي أنه مرشدك ودليلك للمحاكاة الواعية الدقيقة ، وكفرصة لك كي تصبح علي وعي بشيء كنت تقوم به طوال حياتك .
وإن من حولك موارد واستراتيجيات أسطورية. إنني أتحدث أن تبدأ في التفكير بأسلوب المحاكاة، وأن تكون علي وعي دائم بأنماط ونماذج الأفعال التي تحقق النتائج الباهرة.
لو استطاع شخص ما أن يحقق نتيجة باهرة، فإن السؤال الذي ينبغي أن يتبادر إلي ذهني هو: ” كيف حقق هذه النتيجة ؟ ”
وإنني ليحدوني الأمل في أن تواصل سعيك وراء التفوق ووراء السحر في كل شئ تراه، وأن تتعلم كيفية تحقيقه كي تحقق نفس النتائج متى شئت .
والأمر الثاني الذي سوف نستكشفه هو ما الذي يحدد استجابتنا لظروف الحياة المختلفة، فلنواصل دراستنا لـ …