تعددت تعريفات التنمية المهنية بأقلام المهتمين والخبراء في مجالها ، ولعلها جميعاً تدور حول فهم الذات المهنية التي تتحدد من خلال سلسلة المهارات والسلوكيات التي تشكل هوية الفرد بأثر البيئة المحيطة؛ والقرن الواحد والعشرين سلسلة من العقود الزمنية المتطاردة؛ بين هذين المتغيرن علاقة تناسبية الى حدٍ كبير، تزيد وتنقص بحسب طبيعة التكيف المهني مع المتغيرات المعاصرة ، فالقرن الواحد والعشرين يتجه بمسار ثابت الى الامام لا يقبل النظر الى الخلف، ولايحتمل إعادة الفرصة للمتأخرين، والتنمية المهنية سلسلة متغيرة بتغير دافعية الفرد، ومتغيرات البيئة المهنية، وكي تلحق بعجلة الزمن لابد من الاهتمام بعناصرها الأساسية والتي تعني بثقافة السلوك اولاً وتمكين المهارات ثانياً ، فكثير من الافراد لديهم دافعية قصوى للتقدم ومحاكاة التحولات المعاصرة الا ان الفرص محدودة جداً لا تأخذ بأيديهم للانطلاق.
ان منصات التدريب التي انطلقت في مختلف القطاعات والتي ينفق عليها الكثير من الميزانيات المتضاعفة سنوياً بغرض تحسين وتطوير المهارات الشخصية للأفراد ، هي بدايات نوعية عظمى للتنمية المهنية لكنها تظل بدايات ولا تكفي للمنافسة العالمية ؛ فعلى سبيل المثال نجد ان اليابان احتلت المرتبة الأولى عالمياً في نسبة براءات الاختراع والتطبيقات لسكانها، والثانية على العالم في إنفاق الحكومة على البحث والتطوير، واحتلت المرتبة 16 في التعاون بين الجامعات والصناعة، و14 في القدرة على الابتكار، لم يكن ذلك التميز صدفة ولم يكن لدى اليابان العصا السحرية لصنع المستحيل ، ان إرادة التغيير وإصلاح التعليم هي سر المعجزة اليابانية التي حولتها من دولة محطمة بعد الحرب العالمية الثانية عام 1945م إلى قوة اقتصادية عظمى.
لا شك ان الاهتمام بصناعة الفرد هو في مقدمة مجالات القدرة على الانخراط في المنافسة العالمية التي تطمح لها الدول المتقدمة ، فالفرد في أي مجال يعتبر قائد التحول النوعي الا ان الافراد يختلفون في استجابتهم للتغيير باختلاف أنماطهم الشخصية فمنهم من لدية استجابة سريعة للمتغيرات والتفاعل مع طموحاته ، وكثير منهم الهادئون الذين يملأهم الرضا التام بواقعهم الآمن والذي لا يحتاج الى تغيير من وجهة نظرهم دون اكتراث لثورة التحولات الرقمية وتطبيقاتها المعاصرة ، والبعض الآخر وهو المحايد بين الطرفين “يرغب بشعار الرضا” فان توفرت له فرص التدريب اقبل بهدف النمو الكمي في سيرته الذاتية وليس من اجل النمو النوعي الذي يحقق الرؤى المستقبلية وهذا النوع من الافراد رصدته أدوات تقييم المتدربين ابتداءً من مرحلة التسجيل وانتهاءً بمرحلة الحصول على الشهادة المهنية. مما دعت الحاجة هنا للبحث والتساؤل، كيف لنا ان نجتث تلك الأفكار المعاكسة لسلسلة القرن الواحد والعشرين؟
“يرى بعض علماء الاجتماع ان المهارات الشخصية هي اتجاهات شخصية متعمقة وغير قابلة للتغيير ولكن يمكن ان يتغير الافراد عند اكتسابهم لأساليب شخصية على مستوى عالٍ وتحويلهم الى افراد قابلين للتفاعل مع الاخرين “وكان اتجاههم في ذلك اسقاط تلك المهارات كمناهج دراسية عبر ميدان التعليم في كتب نصية لبناء شخصية الفرد من بداية تطوره العقلي الذي يأتي بالممارسة من خلال الدراسة، ولعب الأدوار، والتدريبات البناءة.
السلوك والمهارات ليست معادلة صعبة المنال انما تحتاج الى تأهيل وتمكين كضرورة لتغيير ثقافة الافراد وتمكينهم من رسم مساراتهم المهنية وفقاً لأنماطهم الشخصية في ضوء المتغيرات العالمية المعاصرة وسرعة انتشارها، ولن يتحقق ذلك بالنظر الى الاحصاءات الكمية من الأبراج العاجية، بل علينا ان نطرق أساليب جديدة تتوافق مع معطيات العصر الرقمي متعددة الابعاد.
في الحقيقة… تزاحمت في وقتنا الحالي المبادرات للتحسين والتطوير واحداث التغيير الا انها عصفت بأهدافها الى غير مواقعها، فالحاجة الى صناعة الذات لم تعد حاجة ثانوية بل هي حجر الأساس لبناء وطن طموح، نحن لا نريد ان نحصي كماً انما نريد ان نجني نوعاً من التغيير يصنع الفرق بين الماضي والمستقبل بفرص الحاضر الجوهرية للاصطفاف بمحاذاة الدول المتقدمة ودون المساس بمبادئنا الإسلامية.
بقلم المدربة/ جواهر الحارثي